الدور المحوري لآية الله الريشهري في تأسيس المؤسسات الحوزوية الحديثة وبلورة العلوم الإنسانية الإسلامية
قال حجّة الإسلام والمسلمين الأستاذ رضا برنجكار، في حفل تكريم الفكر الكلامي لآية الله الريشهري (رحمه الله) الذي أُقيم في قم: إنّ الأساس الفكري الذي يقوم عليه جميع نتاجات آية الله الريشهري يرتكز على مبدأ جوهري واحد، وهو الاعتماد المطلق على القرآن والسنّة بوصفهما مصدرين أصيلين، مع الاستفادة في الوقت نفسه من الاجتهاد العقلي والاستثمار الذكي للعلوم والمعارف البشرية؛ وهي عناصر لم تكن تحظى حينها باهتمام كافٍ لدى التيار الحوزوي التقليدي.
وبحسب ما نقلته العلاقات العامة لمعهد القرآن والحديث، أضاف الأستاذ برنجكار—وهو رئيس المركز—أن الهدف المحوري من هذه السلسلة من الندوات هو التعمّق في الفكر الكلامي والمنهجية العلمية لأساتذة معاصرين بارزين، وذلك بغية دراسة تراثهم العلمي لا بصورة سطحية، بل عبر فهم البنية الداخلية لمنظومتهم الفكرية.وأشار إلى أنّ من المخططات المستقبلية للجمعية أنّه سيتم خلال شهري دي أو بهمن (ديسمبر/يناير) عقد ندوة خاصة لبحث الفكر الكلامي للمرجع الراحل آية الله العظمى صافي گلپايگاني، كما أُعِدَّت مشاريع للعام القادم تتناول دراسة تراث مفكرين بارزين هما الشهيد محمد باقر الصدر والشهيد الشيخ بهشتي في مجالي الكلام والفلسفة.وأضاف الأستاذ برنجكار أنّ شهرة آية الله الريشهري العالمية بسبب موسوعته الشهيرة «ميزان الحكمة» ينبغي ألا تحجب دوره السابق في ميدان علم الكلام؛ إذ كان قبل انشغاله بجمع الروايات ناشطًا في التأليف الكلامي، حيث نشر، منذ عام 1975، سلسلة كتب حول أصول الدين، وهي كاشفة عن منظومته الفكرية الواضحة منذ تلك الفترة. ومن أبرز مؤلفاته الأولى:مقدمة في معرفة اللهتوحيد العقل والرؤية الكونيةكتب تخصصية في المناظرات الكلامية والأيديولوجيةوأكد أنّ الأساس الفكري العام لدى آية الله الريشهري كان: الرجوع للقرآن والسنّة، مقرونًا بالاجتهاد العقلي، والاستفادة المنهجية من العلوم الحديثة؛ وهي منهجية كانت تُعدّ في ذلك الوقت خطوة متقدمة مقارنة بالاتجاه التقليدي في الحوزة.ثم أشار إلى ذكريات تتعلق بدور آية الله الريشهري في تشكيل البنى التعليمية الحديثة في الحوزة، وهي بنى ترتبط مباشرة برؤيته للكلام التطبيقي؛ إذ كان يعتقد بضرورة تجاوز الاقتصار على العلوم النقلية والدخول في مجالات تخصصية تشكّل اليوم ما يُعرف بـ العلوم الإنسانية الإسلامية.وقد طرح قبل اثنين وعشرين عامًا (حوالي 2003) رؤية متقدّمة لتأسيس فروع دراسية في الحوزة تقوم على المحتوى التخصصي لا على الاقتصار على علوم القرآن والحديث. وأسفرت هذه الرؤية عن إنشاء تخصصات تهدف إلى أسلمة المعرفة وتوطينها، ومنها:
الكلام الإمامي (تخصصي) – بهدف الارتقاء بالمباحث العقائدية.
علم النفس (psychology) مع اهتمام واضح بعلم النفس الإيجابي، إيمانًا منه بأنّ الروايات الشيعية غنية بمواد هذا الحقل.
الأخلاق التطبيقية.
الاقتصاد الإسلامي.
وأوضح أنّ هذا التوجه يعكس حرصه العميق على الانتقال بعلم الكلام من مستوى المبادئ العامة إلى الدخول في محتوى تخصصي مرتبط بالعلوم الإنسانية، إدراكًا منه لضرورة ذلك من أجل مواكبة حاجات العالم المعاصر.وتابع قائلاً: إنّ دراسة منظومة معرفة الله عند آية الله الريشهري—كما وردت في المجلدات التسعة الأولى من دائرة المعارف العقائدية الإسلامية—تكشف عن منهج مغاير تمامًا للمنهج الكلامي الشيعي التقليدي؛ إذ لم يعتمد في ترتيب مباحثه على نسق البراهين الفلسفية المعتادة (مثل برهان الصديقين وغيره)، بل اعتمد على نَظْم الآيات والروايات، ساعيًا إلى بناء الهيكل الاستدلالي من داخل النصوص نفسها.وبيّن أنّ آية الله الريشهري يرى أن الطريق إلى معرفة الله يتم عبر أربعة وسائط:
الله نفسه – عبر الفطرة والمعرفة الأولية المزروعة في الإنسان.
الأنبياء – حجج الله الظاهرون.
أهل البيت (ع) – المفسرون الحقيقيون للوحي.
أتباعهم الصالحون والعلماء – الذين يواصلون مسار الهداية.
وفي بحث أدوات المعرفة، اعتمد على ثلاثة عناصر أساسية:
الفطرة – التي تُعد المدخل الأول للمعرفة الإلهية، وترتبط بآية الميثاق
العقل – أداة التحليل وبلوغ المعارف العليا
القرائن والشواهد – التي يعالجها العقل للوصول إلى النتائجكما طرح منهجًا شاملًا لطرق معرفة الله، منها:معرفة النفس: ورأى أنّها تشمل كل ما يكشف عن عظمة الخالق في البنية الجسدية والروحية للإنسان.
التجربة الدينية: من خلال إدراك حاجة الإنسان الفطرية إلى وجود غير محدود.
حدوث العالم: بوصفه برهانًا تقليديًا مقبولًا لديه.
وفي ختام كلمته، شدّد الأستاذ برنجكار على أنّ القسم التطبيقي من علم الكلام عند آية الله الريشهري ظل غير مكتمل، لكنه كان يرى أنّ المعرفة الإلهية يجب أن تنتهي إلى العمل؛ وأن بلوغ المعارف الشهودية يحتاج إلى ما أكدت عليه الروايات، وهي:
- ذكر الله المستمر.
- الصلاة والصوم كتطهير للقلب.
- المحبة والانقطاع إلى الله.
- ولاية أهل البيت (ع) باعتبارها الركن الأهم في تثبيت وترقية المعارف الإلهية.
يُذكر أنّ هذا الحفل أقيم بجهود جمعية الكلام الإسلامي في الحوزة وبدعم معهد القرآن والحديث وجامعة طهران وعدد من المؤسسات العلمية في قم، وبمشاركة الأساتذة: محمدتقي سبحاني، عبدالهادي مسعودي، رضا برنجكار، علي راد، وسيد محمدكاظم طباطبائي، وذلك يوم الخميس 22 آبان 1404 من الساعة 8:30 حتى 11 في قاعة مؤتمرات الجمعيات العلمية في الحوزة.
أخبار وبرامج معهد بحوث القرآن والحديث على تطبيق إيتا
https://eitaa.com/quran_hadith
التسجيل الصوتي لمحاضرة الأستاذ رضا برنجكار في أسفل الصفحة
مصدر الخبر الأصلي: